فصل: فصل: إن قتل عبد مسلم حرا كافرا لم يقتل به

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قتل الكافر العبد عمدا‏,‏ فعليه قيمته ويقتل لنقضه العهد‏]‏

يعني الكافر الحر لا يقتل بالعبد المسلم لأن الحر لا يقتل بالعبد‏,‏ لفقدان التكافؤ بينهما ولأنه لا يحد بقذفه فلا يقتل بقتله‏,‏ كالأب مع ابنه وعليه قيمته ويقتل لنقضه العهد فإن قتل المسلم ينتقض به العهد‏,‏ بدليل ما روي أن ذميا كان يسوق حمارا بامرأة مسلمة فنخسه بها فرماها ثم أراد إكراهها على الزنى‏,‏ فرفع إلى عمر رضي الله عنه فقال ما على هذا صالحناهم فقتله وصلبه وروى في شروط عمر أنه كتب إلى عبد الرحمن بن غنم‏:‏ أن ألحق بالشروط‏:‏ من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده ولأنه فعل ينافي الأمان‏,‏ وفيه ضرر على المسلمين فكان نقضا للعهد كالاجتماع على قتال المسلمين‏,‏ والامتناع من أداء الجزية وفيه رواية أخرى أنه لا ينتقض عهده بذلك فعلى هذا عليه قيمته ويؤدب بما يراه ولي الأمر‏.‏

فصل‏:‏

وإن قتل عبد مسلم حرا كافرا لم يقتل به لأنا لا نقتل المسلم بالكافر وإن قتل من نصفه حر عبدا‏,‏ لم يقتل به لأنا لا نقتل نصف الحر بعبد وإن قتله حر لم يقتل به لأن النصف الرقيق لا يقتل به الحر وإن قتل من نصفه حر من نصفه حر قتل به لأن القصاص يقع بين الجملتين من غير تفصيل‏,‏ وهما متساويان‏.‏

فصل‏:‏

ويجري القصاص بين الولاة والعمال وبين رعيتهم لعموم الآيات والأخبار ولأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم ولا نعلم في هذا خلافا وثبت عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه عاملا أنه قطع يده ظلما‏:‏ لئن كنت صادقا‏,‏ لأقيدنك منه وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يقيد من نفسه وروى أبو داود قال‏:‏ خطب عمر فقال‏:‏ إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم‏,‏ ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي‏,‏ أقصه منه فقال عمرو بن العاص‏:‏ لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقصه منه‏؟‏ قال‏:‏ أي والذي نفسي بيده أقصه منه‏,‏ وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقص من نفسه ولأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم وهذان حران مسلمان ليس بينهما إيلاد‏,‏ فيجري القصاص بينهما كسائر الرعية‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قتل القاتل غير ولي الدم فعلى قاتله القصاص‏,‏ ولورثة الأول الدية في تركة الجاني الأول وبهذا قال الشافعي وقال الحسن ومالك‏:‏ يقتل قاتله ويبطل دم الأول لأنه فات محله‏,‏ فأشبه ما لو قتل العبد الجاني وروي عن قتادة وأبي هاشم‏:‏ لا قود على الثاني لأنه قتل مباح الدم فلم يجب بقتله قصاص كالزاني المحصن ولنا‏,‏ على وجوب القصاص على قاتله أنه محل لم يتحتم قتله ولم يبح لغير ولي الدم قتله‏,‏ فوجب القصاص بقتله كما لو كان عليه دين ولنا على وجوب الدية في تركة الجاني الأول‏,‏ أن القصاص إذا تعذر وجبت الدية كما لو مات أو عفا بعض الشركاء‏,‏ أو حدث مانع وفارق العبد الجاني فإنه ليس له مال ينتقل إليه فإن عفا أولياء الثاني على الدية أخذوها ودفعوها إلى ورثة الأول‏,‏ فإن كانت عليه ديون ضم ما قبضوا من الدية إلى سائر تركته ثم ضرب أولياء المقتول الأول مع سائر أهل الديون في تركته وديته‏,‏ وإن أحال ورثة المقتول الثاني ورثة المقتول الأول بالدية على القاتل الثاني صحت الحوالة ويتخرج أن تجب دية القتيل الأول على قاتل قاتله ابتداء لأنه أتلف محل حق ورثته فكان غرامته عليه‏,‏ كما لو قتل العبد الجاني وإن مات القاتل عمدا وجبت الدية في تركته بهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ يسقط حق ولي الجناية وتوجيه المذهبين على ما تقدم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والطفل‏,‏ والزائل العقل لا يقتلان بأحد‏]‏

لا خلاف بين أهل العلم أنه لا قصاص على صبي ولا مجنون‏,‏ وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر فيه مثل النائم والمغمي عليه‏,‏ ونحوهما والأصل في هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق‏)‏ ولأن القصاص عقوبة مغلظة‏,‏ فلم تجب على الصبي وزائل العقل كالحدود ولأنهم ليس لهم قصد صحيح فهم كالقاتل خطأ‏.‏

فصل‏:‏

فإن اختلف الجاني وولي الجناية‏,‏ فقال الجاني‏:‏ كنت صبيا حال الجناية وقال ولي الجناية‏:‏ كنت بالغا فالقول قول الجاني مع يمينه إذا احتمل الصدق لأن الأصل الصغر وبراءة ذمته من القصاص وإن قال‏:‏ قتلته وأنا مجنون وأنكر الولي جنونه‏,‏ فإن عرف له حال جنون فالقول قوله أيضا لذلك إن لم يعرف له حال جنون‏,‏ فالقول قول الولي لأن الأصل السلامة وكذلك إن عرف له جنون ثم علم زواله قبل القتل‏,‏ وإن ثبتت لأحدهما بينة بما ادعاه حكم له وإن أقاما بينتين تعارضتا فإن شهدت البينة أنه كان زائل العقل‏,‏ فقال الولي‏:‏ كنت سكران وقال القاتل‏:‏ كنت مجنونا فالقول قول القاتل مع يمينه لأنه أعرف بنفسه ولأن الأصل براءة ذمته واجتناب المسلم فعل ما يحرم عليه‏.‏

فصل‏:‏

فإن قتله وهو عاقل‏,‏ ثم جن لم يسقط عنه القصاص سواء ثبت ذلك عليه ببينة أو إقرار لأن رجوعه غير مقبول‏,‏ ويقتص منه في حال جنونه ولو ثبت عليه الحد بإقراره ثم جن لم يقم عليه حال جنونه لأن رجوعه يقبل فيحتمل أنه لو كان صحيحا رجع‏.‏

فصل‏:‏

ويجب القصاص على السكران إذا قتل حال سكره ذكره القاضي‏,‏ وذكر أبو الخطاب أن وجوب القصاص عليه مبني على وقوع طلاقه وفيه روايتان‏,‏ فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان أحدهما‏:‏ لا يجب عليه لأنه زائل العقل أشبه المجنون ولأنه غير مكلف‏,‏ أشبه الصبي والمجنون ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم أقاموا سكره مقام قذفه‏,‏ فأوجبوا عليه حد القاذف فلولا أن قذفه موجب للحد عليه لما وجب الحد بمظنته‏,‏ وإذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمي أولى ولأنه حكم لو لم يجب عليه القصاص والحد‏,‏ لأفضى إلى أن من أراد أن يعصي الله تعالى شرب ما يسكره ثم يقتل ويزني ويسرق‏,‏ ولا يلزمه عقوبة ولا مأثم ويصير عصيانه سببا لسقوط عقوبة الدنيا والآخرة عنه ولا وجه لهذا وفارق هذا الطلاق‏,‏ ولأنه قول يمكن إلغاؤه بخلاف القتل فأما إن شرب أو أكل ما يزيل عقله غير الخمر على وجه محرم فإن زال عقله بالكلية‏,‏ بحيث صار مجنونا فلا قصاص عليه وإن كان يزول قريبا ويعود من غير تداو‏,‏ فهو كالسكر على ما فصل فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يقتل والد بولده وإن سفل‏]‏

وجملته أن الأب لا يقتل بولده‏,‏ والجد لا يقتل بولد ولده وإن نزلت درجته وسواء في ذلك ولد البنين أو ولد البنات وممن نقل عنه أن الوالد لا يقتل بولده‏,‏ عمر بن الخطأب رضي الله عنه وبه قال ربيعة والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وقال ابن نافع‏,‏ وابن عبد الحكم وابن المنذر‏:‏ يقتل به لظاهر أي الكتاب والأخبار الموجبة للقصاص‏,‏ ولأنهما حران مسلمان من أهل القصاص فوجب أن يقتل كل واحد منهما بصاحبه كالأجنبيين وقال ابن المنذر‏:‏ قد رووا في هذا الباب أخبارا وقال مالك‏:‏ إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به‏,‏ وإن ذبحه أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به ولنا‏,‏ ما روى عمر بن الخطأب وابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا يقتل والد بولده‏)‏ أخرج النسائي حديث عمر‏,‏ ورواهما ابن ماجه وذكرهما ابن عبد البر وقال‏:‏ هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق‏,‏ مستفيض عندهم يستغني بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفا ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ وقضية هذه الإضافة تمليكه إياه‏,‏ فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص لأنه يدرأ بالشبهات ولأنه سبب إيجاده‏,‏ فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه وما ذكرناه يخص العمومات ويفارق الأب سائر الناس فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف‏,‏ وجب عليهم القصاص والأب بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

والجد وإن علا كالأب في هذا وسواء كان من قبل الأب أو من قبل الأم‏,‏ في قول أكثر مسقطي القصاص عن الأب وقال الحسن بن حي‏:‏ يقتل به ولنا أنه والد فيدخل في عموم النص ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد‏,‏ كالمحرمية والعتق إذا ملكه والجد من قبل الأم كالجد من قبل الأب لأن ابن البنت يسمى ابنا‏,‏ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏في الحسن‏:‏ إن ابني هذا سيد‏)‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والأم في ذلك كالأب‏]‏

هذا الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الأب وروي عن أحمد -رحمه الله- ما يدل على أنه لا يسقط عن الأم فإن مهنا نقل عنه‏,‏ في أم ولد قتلت سيدها عمدا‏:‏ تقتل قال‏:‏ من يقتلها‏؟‏ قال‏:‏ ولدها وهذا يدل على إيجاب القصاص على الأم بقتل ولدها وخرجها أبو بكر على روايتين إحداهما‏:‏ أن الأم تقتل بولدها لأنه لا ولاية لها عليه فتقتل به كالأخ والصحيح الأول لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يقتل والد بولده‏)‏ ولأنها أحد الوالدين‏,‏ فأشبهت الأب ولأنها أولى بالبر فكانت أولى بنفي القصاص عنها‏,‏ والولاية غير معتبرة بدليل انتفاء القصاص عن الأب بقتل الكبير الذي لا ولاية عليه وعن الجد ولا ولاية له‏,‏ وعن الأب المخالف في الدين أو الرقيق والجدة وإن علت في ذلك كالأم وسواء في ذلك من قبل الأب‏,‏ أو من قبل الأم لما ذكرنا في الجد‏.‏

فصل‏:‏

وسواء كان الوالد مساويا للولد في الدين والحرية أو مخالفا له في ذلك لأن انتفاء القصاص لشرف الأبوة وهو موجود في كل حال‏,‏ فلو قتل الكافر ولده المسلم أو قتل المسلم أباه الكافر أو قتل العبد ولده الحر‏,‏ أو قتل الحر ولده العبد لم يجب القصاص لشرف الأبوة فيما إذا قتل ولده وانتفاء المكافأة فيما إذا قتل والده‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ادعى نفران نسب صغير مجهول النسب‏,‏ ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما لأنه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وإن ألحقته القافة بأحدهما ثم قتلاه‏,‏ لم يقتل أبوه وقتل الآخر لأنه شريك الأب في قتل ابنه وإن رجعا جميعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما لأن النسب حق للولد‏,‏ فلم يقبل رجوعهما عن إقرارهما به كما لو أقر له بحق سواه أو كما لو ادعاه واحد‏,‏ فألحق به ثم جحده وإن رجع أحدهما صح رجوعه‏,‏ وثبت نسبه من الآخر لأن رجوعه لم يبطل نسبه ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع ويجب على الراجع لأنه شارك الأب‏,‏ وإن عفي عنه فعليه نصف الدية ولو اشترك رجلان في وطء امرأة في طهر واحد وأتت بولد‏,‏ يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص‏,‏ وإن نفيا نسبه لم ينتف بقولهما وإن نفاه أحدهما‏,‏ لم ينتف بقوله لأنه لحقه بالفراش فلا ينتفى إلا باللعان وفارق التي قبلها من وجهين‏:‏ أحدهما أن أحدهما إذا رجع عن دعواه لحق الآخر‏,‏ وها هنا لا يلحق بذلك والثاني أن ثبوت نسبه ثم بالاعتراف فيسقط بالجحد‏,‏ وها هنا يثبت بالاشتراك في الوطء فلا ينتفى بالجحد ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا سواء‏.‏

فصل‏:‏

ولو قتل أحد الأبوين صاحبه‏,‏ ولهما ولد لم يجب القصاص لأنه لو وجب لوجب لولده‏,‏ ولا يجب للولد قصاص على والده لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب له بالجناية على غيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى‏,‏ أو كان للمقتول ولد سواه أو من يشاركه في الميراث أو لم يكن لأنه لو ثبت القصاص‏,‏ لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا لم يثبت بعضه‏,‏ سقط كله لأنه لا يتبعض وصار كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن نصيبه منه فإن لم يكن للمقتول ولد منهما وجب القصاص في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز‏,‏ والنخعي والثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال الزهري‏:‏ لا يقتل الزوج بامرأته لأنه ملكها بعقد النكاح فأشبه الأمة ولنا عمومات النص ولأنهما شخصان متكافئان‏,‏ يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فيقتل به كالأجنبيين وقوله‏:‏ إنه ملكها غير صحيح‏,‏ فإنها حرة وإنما ملك منفعة الاستمتاع فأشبه المستأجرة ولهذا تجب ديتها عليه‏,‏ ويرثها ورثتها ولا يرث منها إلا قدر ميراثه ولو قتلها غيره‏,‏ كان ديتها أو القصاص لورثتها بخلاف الأمة‏.‏

فصل‏:‏

ولو قتل رجل أخاه فورثه ابنه‏,‏ أو أحدا يرث ابنه منه شيئا من ميراثه لم يجب القصاص لما ذكرنا ولو قتل خال ابنه فورثت أم ابنه القصاص أو جزءا منه‏,‏ ثم ماتت بقتل الزوج أو غيره فورثها ابنه سقط القصاص لأن ما منع مقارنا أسقط طارئا‏,‏ وتجب الدية ولو قتلت المرأة أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها سقط القصاص‏,‏ سواء صار إليه ابتداء أو انتقل إليه من أبيه أو من غيره لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قتل أحد أبوي المكاتب المكاتب أو عبدا له‏,‏ لم يجب القصاص لأن الوالد لا يقتل بولده ولا يثبت للولد على والده قصاص وإن اشترى المكاتب أحد أبويه ثم قتله‏,‏ لم يجب عليه قصاص لأن السيد لا يقتل بعبده‏.‏

فصل‏:‏

ابنان قتل أحدهما أباه والآخر أمه فإن كانت الزوجية بينهما موجودة حال قتل الأول‏,‏ فالقصاص على قاتل الثاني دون الأول لأن القتيل الثاني ورث جزءا من دم الأول فلما قتل ورثه قاتل الأول فصار له جزء من دم نفسه‏,‏ فسقط القصاص عنه ووجب له القصاص على أخيه فإن قتله‏,‏ ورثه إن لم يكن وارث سواه لأنه قتل بحق وإن عفا عنه إلى الدية وجبت‏,‏ وتقاصا بما بينهما وما فضل لأحدهما فهو له على أخيه وإن لم تكن الزوجية بين الأبوين قائمة فعلى كل واحد منهما القصاص لأخيه لأنه ورث الذي قتله أخوه وحده دون قاتله‏,‏ فإن بادر أحدهما فقتل صاحبه فقد استوفى حقه وسقط القصاص عنه لأنه يرث أخاه لكونه قتلا بحق‏,‏ فلا يمنع الميراث إلا أن يكون للمقتول ابن أو ابن ابن يحجب القاتل‏,‏ فيكون له قتل عمه ويرثه إن لم يكن له وارث سواه وإن تشاحا في المبتدئ منهما بالقتل احتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول لأنه أسبق‏,‏ واحتمل أن يقرع بينهما وهذا قول القاضي ومذهب الشافعي لأنهما تساويا في الاستحقاق فيصيرا إلى القرعة‏,‏ وأيهما قتل صاحبه أولا إما بمبادرة أو قرعة ورثه‏,‏ في قياس المذهب إن لم يكن له وارث سواه وسقط عنه القصاص‏,‏ وإن كان محجوبا عن ميراثه كله فلو ورث القتيل قتل الآخر وإن عفا أحدهما عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي‏,‏ ورثه أيضا وسقط عنه ما وجب عليه من الدية وإن تعافيا جميعا على الدية تقاصا بما استويا فيه‏,‏ ووجب لقاتل الأم الفضل على قاتل الأب لأن عقل الأم نصف عقل الأب ويتخرج أن يسقط القصاص عنهما لتساويهما في استحقاقه كسقوط الديتين إذا تساوتا ولأنه لا سبيل إلى استيفائهما معا‏,‏ واستيفاء أحدهما دون الآخر حيف فلا يجوز فتعين السقوط وإن كان لكل واحد منهما ابن يحجب عمه عن ميراث أبيه‏,‏ فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه ثم لابنه أن يقتل عمه‏,‏ ويرثه ابنه ويرث كل واحد من الابنين مال أبيه ومال جده الذي قتله عمه دون الذي قتله أبوه وإن كان لكل واحد منهما بنت فقتل أحدهما صاحبه‏,‏ سقط القصاص عنه لأنه ورث نصف مال أخيه ونصف قصاص نفسه فسقط عنه القصاص وورث مال أبيه الذي قتله أخوه ونصف مال أخيه ونصف مال أبيه الذي قتله هو‏,‏ وورثت البنت التي قتل أبوها نصف مال أبيها ونصف مال جدها الذي قتله عمها ولها على عمها نصف دية قتيله‏.‏

فصل‏:‏

أربعة إخوة قتل الأول الثاني‏,‏ والثالث الرابع فالقصاص على الثالث لأنه لما قتل الرابع لم يرثه‏,‏ وورثه الأول وحده وقد كان للرابع نصف قصاص الأول فرجع نصف قصاصه إليه‏,‏ فسقط ووجب للثالث نصف الدية وكان للأول قتل الثالث لأنه لم يرث من دم نفسه شيئا‏,‏ فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب ويرث ما يرثه عن أخيه الثاني‏,‏ وإن عفا عنه إلى الدية وجبت عليه بكمالها يقاصه بنصفها وإن كان لهما ورثة كان فيها من التفصيل مثل الذي في التي قبلها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويقتل الولد بكل واحد منهما‏]‏

هذا قول عامة أهل العلم منهم مالك‏,‏ والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وحكى أصحابنا عن أحمد‏,‏ رواية ثانية أن الابن لا يقتل بأبيه لأنه ممن لا تقبل شهادته له بحق النسب فلا يقتل به كالأب مع ابنه والمذهب أنه يقتل به للآيات‏,‏ والأخبار وموافقة القياس ولأن الأب أعظم حرمة وحقا من الأجنبي‏,‏ فإذا قتل بالأجنبي فبالأب أولى ولأنه يحد بقذفه‏,‏ فيقتل به كالأجنبي ولا يصح قياس الابن على الأب لأن حرمة الوالد على الولد آكد والابن مضاف إلى أبيه فاللام التمليك‏,‏ بخلاف الوالد مع الولد وقد ذكر أصحابنا حديثين متعارضين عن سراقة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدهما‏:‏ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يقاد الأب من ابنه ولا الابن من أبيه‏)‏ والثاني‏:‏ أنه ‏(‏كان يقيد الأب من ابنه‏,‏ ولا يقيد الابن من أبيه‏)‏ رواه الترمذي وهذان الحديثان الحديث الأول لا نعرفه ولم نجده في كتب السنن المشهورة ولا أظن له أصلا‏,‏ وإن كان له أصل فهما متعارضان متدافعان يجب اطراحهما والعمل بالنصوص الواضحة الثابتة‏,‏ والإجماع الذي لا تجوز مخالفته‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويقتل الجماعة بالواحد‏]‏

وجملته أن الجماعة إذا قتلوا واحدا فعلى كل واحد منهم القصاص إذا كان كل واحد منهم لو انفرد بفعله وجب عليه القصاص روي ذلك عن عمر‏,‏ وعلي والمغيرة بن شعبة وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب‏,‏ والحسن وأبو سلمة وعطاء‏,‏ وقتادة وهو مذهب مالك والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وحكي عن أحمد رواية أخرى‏,‏ لا يقتلون به وتجب عليهم الدية وهذا قول ابن الزبير والزهري‏,‏ وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعبد الملك‏,‏ وربيعة وداود وابن المنذر وحكاه ابن أبي موسى عن ابن عباس وروي عن معاذ بن جبل وابن الزبير‏,‏ وابن سيرين والزهري أنه يقتل منهم واحد‏,‏ ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية لأن كل واحد منهم مكافئ له فلا تستوفي أبدال بمبدل واحد كما لا تجب ديات لمقتول واحد‏,‏ ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏الحر بالحر‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‏}‏ فمقتضاه أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد‏,‏ والتفاوت في العدد أولى قال ابن المنذر‏:‏ لا حجة مع من أوجب قتل جماعة بواحد ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم روى سعيد بن المسيب‏,‏ أن عمر بن الخطأب قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا وعن علي رضي الله عنه أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد‏,‏ ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعا ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد‏,‏ فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف ويفارق الدية فإنها تتبعض‏,‏ والقصاص لا يتبعض ولأن القصاص لو سقط بالاشتراك أدى إلى التسارع إلى القتل به‏,‏ فيؤدي إلى إسقاط حكمة الردع والزجر‏.‏

فصل‏:‏

ولا يعتبر في وجوب القصاص على المشتركين التساوي في سببه فلو جرحه رجل جرحا والآخر مائة أو جرحه أحدهما موضحة والآخر آمة‏,‏ أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة فمات كانا سواء في القصاص والدية لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين‏,‏ إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفي باحتمال الوجود‏,‏ بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء الحكم ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت منه دون المائة كما يحتمل أن يموت من الموضحة دون الآمة‏,‏ ومن غير الجائفة دون الجائفة ولأن الجراح إذا صارت نفسا سقط اعتبارها فكان حكم الجماعة كحكم الواحد‏,‏ ألا ترى أنه لو قطع أطرافه كلها فمات وجبت دية واحدة كما لو قطع طرفه فمات‏.‏

فصل‏:‏

إذا اشترك ثلاثة في قتل رجل‏,‏ فقطع أحدهم يده والآخر رجله وأوضحه الثالث‏,‏ فمات فللولي قتل جميعهم والعفو عنهم إلى الدية‏,‏ فيأخذ من كل واحد ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية‏,‏ ويقتل الآخرين وله أن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثي الدية‏,‏ ويقتل الثالث فإن برأت جراحة أحدهم ومات من الجرحين الآخرين‏,‏ فله أن يقتص من الذي برأ جرحه بمثل جرحه ويقتل الآخرين أو يأخذ منهما دية كاملة‏,‏ أو يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية وله أن يعفو عن الذي برأ جرحه ويأخذ منه دية جرحه فإن ادعى الموضح أن جرحه برأ قبل موته‏,‏ وكذبه شريكاه نظرت في الولي فإن صدقه ثبت حكم البرء بالنسبة إليه‏,‏ فلا يملك قتله ولا مطالبته بثلث الدية وله أن يقتص منه موضحه‏,‏ أو يأخذ منه أرشها ولم يقبل قوله في حق شريكه لأن الأصل عدم البرء فيها لكن إن اختار الولي القصاص‏,‏ فلا فائدة لهما في إنكار ذلك لأن له أن يقتلهما سواء برأت أو لم تبرأ وإن اختار الدية لم يلزمهما أكثر من ثلثيها وإن كذبه الولي‏,‏ حلف وله الاقتصاص منه أو مطالبته بثلث الدية‏,‏ ولم يكن له مطالبة شريكه بأكثر من ثلثها فإن شهد له شريكاه ببرئها لزمهما الدية كاملة لإقرارهما بوجوبها وللولي أخذها منهما إن صدقهما‏,‏ وإن لم يصدقهما وعفا ولي الدية لم يكن له أكثر من ثلثيها لأنه لا يدعي أكثر من ذلك وتقبل شهادتهما له‏,‏ إن كانا قد تابا وعدلا لأنهما لا يجران إلى أنفسهما بذلك نفعا فيسقط القصاص عنه ولا يلزمه أكثر من أرش موضحة‏.‏

فصل‏:‏

إذا قطع رجل يده من الكوع‏,‏ ثم قطعها آخر من المرفق ثم مات نظرت فإن كانت جراحة الأول برأت قبل قطع الثاني‏,‏ فالثاني هو القاتل وحده وعليه القود أو الدية كاملة‏,‏ إن عفا عن قتله وله قطع يد الأول أو نصف الدية‏,‏ وإن لم تبرأ فهما قاتلان وعليهما القصاص في النفس‏,‏ وإن عفا إلى الدية وجبت عليهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ القاتل هو الثاني وحده ولا قصاص على الأول في النفس لأن قطع الثاني قطع سراية‏,‏ قطعه ومات بعد زوال جنايته فأشبه ما لو اندمل جرحه وقال مالك‏:‏ إن قطعه الثاني عقيب قطع الأول قتلا جميعا‏,‏ وإن عاش بعد قطع الأول حتى أكل وشرب ومات عقيب قطع الثاني فالثاني هو القاتل وحده‏,‏ وإن عاش بعدهما حتى أكل وشرب فللأولياء أن يقسموا على أيهما شاءوا ويقتلوه ولنا أنهما قطعان لو مات بعد كل واحد منهما وحده‏,‏ لوجب عليه القصاص فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص‏,‏ كما لو كان في يدين ولأن القطع الثاني لا يمنع جنايته بعده فلا يسقط حكم ما قبله‏,‏ كما لو كان في يدين ولا نسلم زوال جنايته ولا قطع سرايته‏,‏ فإن الألم الحاصل بالقطع الأول لم يزل وإنما انضم إليه الألم الثاني فضعفت النفس عن احتمالهما‏,‏ فزهقت بهما فكان القتل بهما ويخالف الاندمال فإنه لا يبقى معه الألم الذي حصل في الأعضاء الشريفة فاختلفا فإن ادعى الأول أن جرحه اندمل‏,‏ فصدقه الولي سقط عنه القتل ولزمه القصاص في اليد أو نصف الدية‏,‏ وإن كذبه شريكه واختار الولي القصاص فلا فائدة له في تكذيبه لأن قتله واجب‏,‏ وإن عفا عنه إلى الدية فالقول قوله مع يمينه ولا يلزمه أكثر من نصف الدية وإن كذب الولي الأول حلف‏,‏ وكان له قتله لأن الأصل عدم ما ادعاه ولو ادعى الثاني اندمال جرحه فالحكم فيه كالحكم في الأول إذا ادعى ذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قطعوا يدا قطعت نظيرتها من كل واحد منهم‏]‏

وجملته أن الجماعة إذا اشتركوا في جرح موجب للقصاص‏,‏ وجب القصاص على جميعهم وبه قال مالك والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وقال الحسن والزهري‏,‏ والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر‏:‏ لا تقطع يدان بيد واحدة ويتعين ذلك وجها في مذهب أحمد لأنه روي عنه أن الجماعة لا يقتلون بالواحد وهذا تنبيه على أن الأطراف لا تؤخذ بطرف واحد لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها‏,‏ بدليل أنا لا نأخذ الصحيحة بالشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصتها ولا أصلية بزائدة‏,‏ ولا زائدة بأصلية ولا يمينا بيسار ولا يسارا بيمين‏,‏ ولا نساوي بين الطرف والأطراف فوجب امتناع القصاص بينهما ولا يعتبر التساوي في النفس‏,‏ فإننا نأخذ الصحيح بالمريض وصحيح الأطراف بمقطوعها وأشلها ولأنه يعتبر في القصاص في الأطراف التساوي في نفس القطع‏,‏ بحيث لو قطع كل واحد من جانب لم يجب القصاص بخلاف النفس‏,‏ ولأن الاشتراك الموجب للقصاص في النفس يقع كثيرا فوجب القصاص زجرا عنه كي لا يتخذ وسيلة إلى كثرة القتل‏,‏ والاشتراك المختلف فيه لا يقع إلا في غاية الندرة فلا حاجة إلى الزجر عنه ولأن إيجاب القصاص على المشتركين في النفس يحصل به الزجر عن كل اشتراك أو عن الاشتراك المعتاد‏,‏ وإيجابه عن المشتركين في الطرف لا يحصل به الزجر عن الاشتراك المعتاد ولا عن شيء من الاشتراك‏,‏ إلا على صورة نادرة الوقوع بعيدة الوجود يحتاج في وجودها إلى تكلف فإيجاب القصاص للزجر عنها يكون منعا لشيء ممتنع بنفسه لصعوبته‏,‏ وإطلاقا في القطع السهل المعتاد بنفي القصاص عن فاعله وهذا لا فائدة فيه بخلاف الاشتراك في النفس‏,‏ يحققه أن وجوب القصاص على الجماعة بواحد في النفس والطرف على خلاف الأصل لكونه يأخذ في الاستيفاء زيادة على ما فوت عليه ويخل بالتماثل المنصوص على النهى عما عداه‏,‏ وإنما خولف هذا الأصل في الأنفس زجرا عن الاشتراك الذي يقع القتل به غالبا ففيما عداه يجب البقاء على أصل التحريم‏,‏ ولأن النفس أشرف من الطرف ولا يلزم من المحافظة عليها بأخذ الجماعة بالواحد المحافظة على ما دونها بذلك ولنا‏,‏ ما روي أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده‏,‏ ثم جاءا بآخر فقالا‏:‏ هذا هو السارق وأخطأنا في الأول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية الأول‏,‏ وقال‏:‏ لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة ولأنه أحد نوعي القصاص فتؤخذ الجماعة بالواحد كالأنفس‏,‏ وأما اعتبار التساوي فمثله في الأنفس فإننا نعتبر التساوي فيها‏,‏ فلا نأخذ مسلما بكافر ولا حرا بعبد وأما أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها‏,‏ فلأن الطرف ليس هو من النفس المقتص منها وإنما يفوت تبعا ولذلك كانت ديتهما واحدة بخلاف اليد الناقصة والشلاء مع الصحيحة‏,‏ فإن ديتهما مختلفة وأما اعتبار التساوي في الفعل فإنما اعتبر في اليد لأنه يمكن مباشرتها بالقطع فإذا قطع كل واحد منهما من جانب‏,‏ كان فعل كل واحد منهما متميزا عن فعل صاحبه فلا يجب على إنسان قطع محل لم يقطع مثله وأما النفس‏,‏ فلا يمكن مباشرتها بالفعل وإنما أفعالهم في البدن فيفضي ألمه إليها فتزهق‏,‏ ولا يتميز ألم فعل أحدهما من ألم فعل الآخر فكانا كالقاطعين في محل واحد ولذلك لا يستوفي من الطرف إلا في المفصل الذي قطع الجاني منه‏,‏ ولا يجوز تجاوزه وفي النفس لو قتله بجرح في بطنه أو جنبه أو غير ذلك كان الاستيفاء من العنق دون المحل الذي وقعت الجناية فيه وإذا ثبت هذا فإنما يجب القصاص على المشتركين في الطرف‏,‏ إذا اشتركوا فيه على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر إما بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطعه فيقطع ثم يرجعون عن الشهادة‏,‏ أو يكرهوا إنسانا على قطع طرف فيجب قطع المكرهين كلهم والمكره أو يلقوا صخرة على طرف إنسان‏,‏ فيقطعه أو يقطعوا يدا يقلعوا عينا بضربة واحدة‏,‏ أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعا أو يمدوها‏,‏ فتبين فإن قطع كل واحد منهم من جانب أو قطع أحدهم بعض المفصل‏,‏ وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد إليه مرة حتى بانت اليد‏,‏ فلا قصاص فيه لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها وإن كان فعل واحد منهم يمكن الاقتصاص بمفرده‏,‏ اقتص منه وهذا مذهب الشافعي‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قتل الأب وغيره عمدا قتل من سوى الأب‏]‏

وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور‏,‏ وعن أحمد رواية أخرى لا قصاص على واحد منهما وهو قول أصحاب الرأي لأنه قتل تركب من موجب وغير موجب‏,‏ فلم يوجب كقتل العامد والخاطئ والصبي والبالغ‏,‏ والمجنون والعاقل ولنا أنه شارك في القتل العمد العدوان فيمن يقتل به لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص‏,‏ كشريك الأجنبي ولا نسلم أن فعل الأب غير موجب فإنه يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم إثما‏,‏ وأكثر جرما ولذلك خصه الله تعالى بالنهي عنه فقال‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أولادكم‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏إن قتلهم كان خطئا كبيرا‏}‏ ولما ‏(‏سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أعظم الذنب قال‏:‏ أن تجعل لله ندا وهو خلقك‏,‏ ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‏)‏ فجعله أعظم الذنوب بعد الشرك ولأنه قطع الرحم التي أمر الله تعالى بصلتها ووضع الإساءة موضع الإحسان‏,‏ فهو أولى بإيجاب العقوبة والزجر عنه وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب‏,‏ فلا يمتنع عمله في المحل الذي لا مانع فيه وأما شريك الخاطئ فلنا فيه منع‏,‏ ومع التسليم فامتناع الوجوب فيه لقصور السبب عن الإيجاب فإن فعل الخاطئ غير موجب للقصاص ولا صالح له والقتل منه ومن شريكه غير متمحض عمدا لوقوع الخطأ في الفعل الذي حصل به زهوق النفس‏,‏ بخلاف مسألتنا‏.‏

فصل‏:‏

وكل شريكين امتنع القصاص في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب فهو في وجوب القصاص على شريكه كالأب وشريكه مثل أن يشترك مسلم وذمي في قتل عبد‏,‏ عمدا عدوانا فإن القصاص لا يجب على المسلم والحر ويجب على الذمي والعبد‏,‏ إذا قلنا بوجوبه على شريك الأب لأن امتناع القصاص عن المسلم لإسلامه وعن الحر لحريته وانتقاء مكافأة المقتول له‏,‏ وهذا المعنى لا يتعدى إلى فعله ولا إلى شريكه فلم يسقط القصاص عنه وقد نقل عبد الله بن أحمد‏,‏ قال‏:‏ سألت أبي -رحمه الله- عن حر وعبد قتلا عبدا عمدا قال‏:‏ أما الحر فلا يقتل بالعبد وعلى الحر نصف قيمة العبد في ماله‏,‏ والعبد إن شاء سيده أسلمه وإلا فداه بنصف قيمة العبد وظاهر هذا أنه لا قصاص على العبد فيخرج مثل ذلك في كل قتل شارك فيه من لا يجب عليه القصاص‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا اشترك في القتل صبي ومجنون وبالغ‏,‏ لم يقتل واحد منهم وعلى العاقل ثلث الدية في ماله وعلى عاقلة كل واحد من الصبي والمجنون ثلث الدية وعتق رقبتين في أموالهما لأن عمدهما خطأ‏]‏

أما إذا شاركوا في القتل من لا قصاص عليه لمعنى في فعله كالصبي والمجنون فالصحيح في المذهب أنه لا قصاص عليه وبهذا قال الحسن‏,‏ والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة‏,‏ وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن القود يجب على البالغ العاقل حكاها ابن المنذر عن أحمد وحكي ذلك عن مالك وهو القول الثاني للشافعي وروي ذلك عن قتادة‏,‏ والزهري وحماد لأن القصاص عقوبة تجب عليه جزاء لفعله فمتى كان فعله عمدا عدوانا‏,‏ وجب القصاص عليه ولا ننظر إلى فعل شريكه بحال ولأنه شارك في القتل عمدا عدوانا‏,‏ فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبي وذلك‏,‏ لأن الإنسان إنما يؤخذ بفعله لا بفعل غيره فعلى هذا يعتبر فعل الشريك منفردا فمتى تمحض عمدا عدوانا‏,‏ وكان المقتول مكافئا له وجب عليه القصاص وبنى الشافعي قوله على أن فعل الصبي والمجنون إذا تعمداه عمد لأنهما يقصدان القتل وإنما سقوط القصاص عنهما لمعنى فيهما‏,‏ وهو عدم التكليف فلم يقتض سقوطه عن شريكهما كالأبوة ولنا‏,‏ أنه شارك من لا مأثم عليه في فعله فلم يلزمه قصاص كشريك الخاطئ‏,‏ ولأن الصبي والمجنون لا قصد لهما صحيح ولهذا لا يصح إقرارهما فكان حكم فعلهما حكم الخطأ‏,‏ وهذا معنى قول الخرقي‏:‏ عمدهما خطأ أي في حكم الخطأ في انتفاء القصاص عنه ومدار ديته وحمل عاقلتهما إياها‏,‏ ووجوب الكفارة إذا ثبت هذا فإن الدية تجب عليهم أثلاثا على كل واحد منهم ثلثها لأن الدية بدل المحل‏,‏ ولذلك اختلفت باختلافه والمحل المتلف واحد فكانت ديته واحدة‏,‏ ولأنها تتقدر بقدره أما القصاص فإنما كمل في كل واحد لأنه جزاء الفعل‏,‏ وأفعالهم متعددة فتعدد في حقهم وكمل في حق كل واحد‏,‏ كما لو قذف جماعة واحدا إلا أن الثلث الواجب على المكلف يلزم في ماله حالا لأن فعله عمد والعاقلة لا تحمل العمد‏,‏ وما يلزم الصبي والمجنون فعلى عاقلتهما لأن عمدهما خطأ والعاقلة تحمل جناية الخطأ إذا بلغت ثلث الدية‏,‏ وتكون مؤجلة عاما فإن الواجب متى كان ثلث الدية كان أجله عاما‏,‏ ويلزم كل واحد منهما الكفارة من ماله لأن فعلهما خطأ والقاتل الخاطئ والمشارك في القتل خطأ يلزمه كفارة لأنها لا تجب بدلا عن المحل‏,‏ ولهذا لم تختلف وإنما وجبت تكفيرا للفعل ومحوا لأثره‏,‏ فوجب تكميلها كالقصاص‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر‏]‏

هذا قول عامة أهل العلم منهم النخعي‏,‏ والشعبي والزهري وعمر بن عبد العزيز‏,‏ ومالك وأهل المدينة والشافعي‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي وغيرهم وروي عن علي رضي الله عنه‏,‏ أنه قال‏:‏ يقتل الرجل بالمرأة ويعطى أولياؤه نصف الدية أخرجه سعيد وروي مثل هذا عن أحمد وحكي ذلك عن الحسن وعطاء وحكي عنهما مثل قول الجماعة ولعل من ذهب إلى القول الثاني يحتج بقول علي رضي الله عنه ولأن عقلها نصف عقله‏,‏ فإذا قتل بها بقي له بقية فاستوفيت ممن قتله ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الحر بالحر‏}‏ مع عموم سائر النصوص‏,‏ وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏قتل يهوديا رض رأس جارية من الأنصار‏)‏ وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده‏,‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والأسنان وأن الرجل يقتل بالمرأة‏)‏ وهو كتاب مشهور عند أهل العلم متلقى بالقبول عندهم‏,‏ ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهم بقذف صاحبه فقتل كل واحد منهما بالآخر كالرجلين‏,‏ ولا يجب مع القصاص شيء لأنه قصاص واجب فلم يجب معه شيء على المقتص كسائر القصاص‏,‏ واختلاف الأبدال لا عبرة به في القصاص بدليل أن الجماعة يقتلون بالواحد والنصراني يؤخذ بالمجوسي‏,‏ مع اختلاف دينيهما ويؤخذ العبد بالعبد مع اختلاف قيمتهما‏.‏

فصل‏:‏

ويقتل كل واحد من الرجل والمرأة بالخنثى‏,‏ ويقتل بهما لأنه لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن كان بينهما في النفس قصاص فهو بينهما في الجراح‏]‏

وجملته أن كل شخصين جرى بينهما القصاص في النفس جرى القصاص بينهما في الأطراف‏,‏ فيقطع الحر المسلم بالحر المسلم والعبد بالعبد والذمي بالذمي‏,‏ والذكر بالأنثى والأنثى بالذكر ويقطع الناقص بالكامل‏,‏ كالعبد بالحر والكافر بالمسلم ومن لا يقتل بقتله لا يقطع طرفه بطرفه‏,‏ فلا يقطع مسلم بكافر ولا حر بعبد ولا والد بولد وبهذا قال مالك‏,‏ والثوري والشافعي وأبو ثور‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ لا قصاص في الطرف بين مختلفي البدل فلا يقطع الكامل بالناقص‏,‏ ولا الناقص بالكامل ولا الرجل بالمرأة ولا المرأة بالرجل‏,‏ ولا الحر بالعبد ولا العبد بالحر ويقطع المسلم بالكافر‏,‏ والكافر بالمسلم لأن التكافؤ معتبر في الأطراف بدليل أن الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ولا الكاملة بالناقصة‏,‏ فكذا لا يؤخذ طرف الرجل بطرف المرأة ولا يؤخذ طرفها بطرفه كما لا تؤخذ اليسرى باليمنى ولنا‏,‏ أن من جرى بينهما القصاص في النفس جرى في الطرف‏,‏ كالحرين وما ذكروه يبطل بالقصاص في النفس فإن التكافؤ معتبر‏,‏ بدليل أن المسلم لا يقتل بمستأمن ثم يلزمه أن يأخذ الناقصة بالكاملة لأن المماثلة قد وجدت وزيادة فوجب أخذها بها إذا رضي المستحق‏,‏ كما تؤخذ ناقصة الأصابع بكاملة الأصابع وأما اليسار واليمين فيجريان مجرى النفس‏,‏ لاختلاف محليهما ولهذا استوى بدلهما فعلم أنها ليست ناقصة عنها شرعا ولا العلة فيهما ذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا قتلاه‏,‏ وأحدهما مخطئ والآخر متعمد فلا قود على واحد منهما‏,‏ وعلى العامد نصف الدية في ماله وعلى عاقلة المخطئ نصفها وعليه في ماله عتق رقبة مؤمنة‏]‏

أما المخطئ‏,‏ فلا قصاص عليه للكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به‏}‏ وأما السنة فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان‏)‏ وأجمع أهل العلم على أنه لا قصاص عليه‏,‏ وأما شريكه فأكثر أهل العلم لا يرون عليه قصاصا وبه قال النخعي والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن أحمد‏,‏ أن عليه القصاص وحكي ذلك عن مالك لأنه شارك في القتل عمدا عدوانا فوجب عليه القصاص كشريك العامد ولأن مؤاخذته بفعله‏,‏ وفعله عمد وعدوان لا عذر له فيه ولنا أنه قتل لم يتمحض عمدا فلم يوجب القصاص‏,‏ كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ ولأن كل واحد من الشريكين مباشر ومتسبب‏,‏ فإذا كانا عامدين فكل واحد متسبب إلى فعل موجب للقصاص فقام فعل شريكه مقام فعله لتسببه إليه‏,‏ وها هنا إذا أقمنا المخطئ مقام العامد صار كأنه قتله بعمد وخطأ وهذا غير موجب‏.‏

فصل‏:‏

وهل يجب القصاص على شريك نفسه وشريك السبع‏؟‏ فيه وجهان‏,‏ ذكرهما أبو عبد الله بن حامد وصورة ذلك أن يجرحه سبع أو يجرحه إنسان عمدا‏,‏ إما قبل ذلك أو بعده فيموت منهما أو يجرح نفسه عمدا‏,‏ ثم يجرحه غيره عمدا فيموت منهما فهل يجب على المشارك له قصاص‏؟‏ فيه وجهان واختلف عن الشافعي فيه وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا قصاص عليه لأنه شارك من لا يجب القصاص عليه‏,‏ فلم يلزمه قصاص كشريك الخاطئ ولأنه قتل تركب من موجب وغير موجب‏,‏ فلم يوجب كالقتل الحاصل من عمد وخطأ ولأنه إذا لم يجب على شريك الخاطئ وفعله مضمون فلأن لا يجب على شريك من لا يضمن فعله أولى والوجه الثاني‏,‏ عليه القصاص وهو قول أبي بكر وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ إذا جرحه رجل ثم جرح الرجل نفسه‏,‏ فمات فعلى شريكه القصاص لأنه قتل عمد متمحض فوجب القصاص على الشريك فيه‏,‏ كشريك الأب فأما إن جرح الرجل نفسه خطأ كأنه أراد ضرب جارحة‏,‏ فأصاب نفسه أو خاط جرحه فصادف اللحم الحي‏,‏ فلا قصاص على شريكه في أصح الوجهين وفيه وجه آخر أن عليه القصاص بناء على الروايتين في شريك الخاطئ‏.‏

فصل‏:‏

فإن جرحه إنسان‏,‏ فتداوى بسم فمات نظرت فإن كان سم ساعة يقتل في الحال فقد قتل نفسه‏,‏ وقطع سراية الجرح وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح وننظر في الجرح‏,‏ فإن كان موجبا للقصاص فلوليه استيفاؤه وإن لم يكن موجبا له‏,‏ فلوليه الأرش وإن كان السم لا يقتل في الغالب وقد يقتل‏,‏ بفعل الرجل في نفسه عمد خطأ والحكم في شريكه كالحكم في شريك الخاطئ وإذا لم يجب القصاص‏,‏ فعلى الجارح نصف الدية وإن كان السم يقتل غالبا بعد مدة احتمل أن يكون عمد الخطأ أيضا لأنه لم يقصد القتل‏,‏ إنما قصد التداوي فيكون كالذي قتله واحتمل أن يكون في حكم العمد‏,‏ فيكون في شريكه الوجهان المذكوران في الفصل الذي قبله وإن جرح رجل فخاط جرحه أو أمر غيره فخاطه له‏,‏ وكان ذلك مما يجوز أن يقتل فحكمه حكم ما لو شرب سما يجوز أن يقتل على ما مضى فيه وإن خاطه غيره بغير إذنه كرها‏,‏ فهما قاتلان عليهما القود وإن خاطه وليه أو الإمام وهو ممن لا ولاية عليه‏,‏ فهما كالأجنبي وإن كان لهما عليه ولاية فلا قود عليهما لأن فعلهما جائز لهما‏,‏ إذ لهما مداواته فيكون ذلك خطأ وهل على الجارح القود‏؟‏ فيه وجهان بناء على شريك الخاطئ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ودية العبد قيمته‏,‏ وإن بلغت ديات‏]‏

أجمع أهل العلم أن في العبد الذي لا تبلغ قيمته دية الحر قيمته وإن بلغت قيمته دية الحر أو زادت عليها‏,‏ فذهب أحمد -رحمه الله- إلى أن فيه قيمته‏,‏ بالغة ما بلغت وإن بلغت ديات عمدا كان القتل أو خطأ‏,‏ سواء ضمن باليد أو بالجناية وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين‏,‏ وعمر بن عبد العزيز وإياس بن معاوية والزهري‏,‏ ومكحول ومالك والأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبى يوسف وقال النخعي‏,‏ والشعبي والثوري وأبو حنيفة‏,‏ ومحمد‏:‏ لا تبلغ به دية الحر وقال أبو حنيفة‏:‏ ينتقص عن دية الحر دينارا أو عشرة دراهم القدر الذي يقطع به السارق‏,‏ وهذا إذا ضمن بالجناية وإن ضمن باليد بأن يغصب عبدا فيموت في يده‏,‏ فإن قيمته تجب وإن زادت على دية الحر واحتجوا بأنه ضمان آدمي فلم يزد على دية الحر كضمان الحر وذلك لأن الله تعالى لما أوجب في الحر دية لا تزيد‏,‏ وهو أشرف لخلوصه من نقيصة الرق كان تنبيها على أن دية العبد المنقوص لا يزاد عليها فنجعل مالية العبد معيارا للقدر الواجب فيه‏,‏ ما لم يزد على الدية فإذا زاد علمنا خطأ ذلك‏,‏ فنرده إلى دية الحر كأرش ما دون الموضحة يجب فيه ما تخرجه الحكومة‏,‏ ما لم يزد على أرش الموضحة فنرده إليها ولنا أنه مال متقوم‏,‏ فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس أو مضمون بقيمته‏,‏ فكانت جميع القيمة كما لو ضمنه باليد ويخالف الحر‏,‏ فإنه ليس بمضمون بالقيمة وإنما ضمن بما قدره الشرع فلم يتجاوزه‏,‏ ولأن ضمان الحر ليس بضمان مال ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة المالية‏,‏ وينقص بنقصانها فاختلفا وقد حكى أبو الخطاب عن أحمد -رحمه الله- رواية أخرى‏,‏ أنه لا يبلغ بالعبد دية الحر والمذهب الأول‏.‏